هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

( لا فـتـى إلاّ عـلـيّ )

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

( لا فـتـى إلاّ عـلـيّ ) Empty ( لا فـتـى إلاّ عـلـيّ )

مُساهمة من طرف Admin_Mhamad الإثنين أغسطس 13, 2007 8:24 am

( لا فـتـى إلاّ عـلـيّ )


كـنـّـا نـعرفـها من طريـقـة قـرعـها عـلـى البـاب ..

كانت دائما تحمل عصا صغيرة في يديها تقرع بها الأبواب والعقول والأيادي الصغيرة

دخـلـت مديرة المدرسة في منتصف الحـصـّة وخلفها مباشرة فـتـى أسمر


طـويل يحمل حـقـيـبة في يده ويبدو عليه خجل وارتباك ...


ـ أعـرّفـكم على زمـيـلـكم الـجـديد عـلـي ...


عـلـي قـادم من الجنوب من بلدة الخـيـام .. سيكون فردا منكم منذ اللحظة

ولا داعـي لأن أذكـّركم كيف يتعامل التلامذة المهذّبون مع زميل جديد ..


ـ كنت أجـلـس فـي المقعد الأخير كالعادة .. كي أستطيع ممارسة شقاوتـي

بحريـّة أكبـر ..

مـشـى علي خطواته الثقيلة باتجاهنا.. نحن المجهول .. وهو ينظر يمنة

ويسرة عـلـّه يجد مكانا شـاغـرا يجلس فيه ..

لا أدري لماذا ناديته بتلك اللهـفـة لأن يأتـي ويـجـلـس بجـانـبي

أسرع علي باتجاهي وكأنه أمسك بطوق نـجـاة .. نظر الى عيني نظرة

خاطفة وهو يبحث عن مكان يضع فيه حقيبته .. وسـلـّم عـليّ بصوت

خـافـت واستـقـرّ في المكان والعـيـون شاخـصـة إليـه .. يحاول تفاديها

بأية طريقة دون جدوى ..

يـعـلن الـمـعـلـّم متابعة الدرس بعد أن رحـّب بـعـليّ با قـتـضـاب ..

لـم استطع الانتـظـار لأتـعـرّف عليه فيما بعد .. بل سألته علـى الـفـور :

ــ أنت جـنـوبـي ؟؟

ـ نـعـم ... قـالـها بصوت خافت

ارتباكه الواضح جـعـلـني أكبح جماح حشريـّـتي وأسـكـت ..على أمل أن

أكـمل ما بدأتـه بعد انتهاء الدرس ...

كانت خدّا عـلـي حـمـراء مـتـورّدة رغـم سـمـرة بشرته .. وكانت عيناه

عـمـيـقـتـان كـبـحـر لا قـرار لــه ... كان أطول مـنـي ومن الـجـمـيـع ..

يـبـدو عـلـي رجلا في ثياب تلميذ ...

حاولت أن أنـزع عـنـه هذا الـخـجل بعد انتهاء الحـصـّة الدراسية

بدأت بالكلام والمزاح ودعوت بعض أصدقائي الذين أثـق بهم لمساعدتي

فـي إدخال علي جـوّ الشـلـّة بأسـرع وقت ممكن .. فقد شعرت بعاطفة غريبة

تـجـاه هذا الفـتـى ولم تـأتـنـي ولا لحظة واحدة رغبة التلامذة الاشقياء

المـعـتـادة بالـسـخـريـة من الزميل الجديد أو وضعه تحت السيطرة المعنوية

والصبيانية ...

نزلت الأسئلة كالـمـطـر على رأس عـلـي وبـدأ بإجاباته السريعة

والمختصرة والخجولة ..

عـلـي قادم من الجنوب حديثا .. وهذه أول مدرسة يرتادها في بيروت بعد مجيئه .

قصدت أن أشعره بالألفة بأية طريقة ممكنة .. وهذا ما حفظه لـي علي فيما

بعد .. فـقـد أصـبـحنا صـديـقـيـن مـقـرّبـيـن جدا ..

كـنـت دائما أتبـاهى أمام زملائي الصعاليك الصغار أن أبـي فدائـي قديم

وأروي لـهم مغامراته ولطالما كان معظمها من اختراعي ..

فـأبي لم يكن يوما من الذين يتحدثون علنا عن أمور كهذه ..

ولم نكن نعرف عن عمله النضالي سوى القليل يومها ..

ــ ما عـمـل أبيك يا عـلـي ّ ؟؟

ـــ أبــي وأخي الأكبـر اسـتـشـهـدا قبل قدومنا الى هنا بفترة قصيرة

وقـد استطاع عـمـي اخراجنا من هناك مع عائلته الى بيروت ..

قـالـها عـلـي وقد ازداد احمرار خـديـه وبدت عيـنـاه هذه المـرّة

كـمـحيـط مـلـيء بالأسـرار لـم يـعرف القراصنة طريقهم إليه بعـد ...

صـمـتـنا جـمـيعا كـمن وقع على رؤوسهم الطيـر ...

وأصـبـحت كل الجـهات ... وجـه عـلي ...

بـدا لـي عـلي في تلك اللحظة كـجـبـل شـاهـق ..لا أستـطيـع بلوغ قـمـّـتـه

فـوددت أن أرتـاح تحـت ظـلـّه قليلا ...

أعـتـقـد أننا حاولنا جميعا في تلك اللحظات أن نـخـترع موضوعا جديدا

أو سؤالا جديدا لـنـخـرج من عـتـمـتـنا المفاجئة .. لكن عبثا ..

كـسـر عـليّ الصـمـت وقال وعيناه تنظران الى الفراغ المقابل كمن ينظر

الى شيء لا يراه الاخرون :

ــ أبـي تـمـنـّى الشهادة طيلة حياته وقد نـالـها أخيرا

أبي لم يمت على الطريق .. لقد كان مقاوما .. ابي مات بطلا

كذلك أخي الذي أصـرّ على مرافقـته ..

سأعود الى الجنوب يوما وسأقاتل على نفس الأرض التي

نزفت عليها دمائهما وسأنال الشهادة ... ليت أمي تسمح

لي بذلك منذ الان ..

ــ هذه فلسـفـة جديدة لم نعـتدها من قبل .. ولم نكن نظن أبدا أن فـتـى

كـعـلـيّ سـيـحـوّلنا جميعا الى أقـزام ..

منذ ذاك اليوم .. اختلفت نظرتي لعلي كليـّا .. صرت أراه رجلا حقيقيا

يعرف ماذا يريد عن اقـتـناع غريب .. لم يكن يتكـلـّم كثيرا في المدرسة بل كان

الصمت جزءا من شخصيته .. كان يشرد كثيرا .. وكنت دائما اسأله عن سبب

شروده هذا .. والإجابة واحدة دائما .... ابتسامة جميلة لا أكـثـر ..

ازددنا قربا من بعضنا يوما بعد يوم .. وأصبحت أدعوه لزيارتي في البيت

مرّات في الاسبوع .. فقد كان مكان سكن عائلته قريب من بيتنا ..

وبـما أنـّي ربـيـت في بـيـت كانت السياسة دائما وجبتـه المفـضـّلة

والدائمة .. فـأبـي كان قـوميـّـا عنيدا منذ أيام شبابه الأولى ..

تشـرّبت أفكاره منذ صغري الى حدّ خيـّل لي أحيانا أنها تجري

في دمائي .. وهذا ما جعل الأحاديث بيني وبين علي دائما ما تأخذ

طابعا سياسيا على صغر سنـّـنا .. كانت أفكارنا متقاربة كثيرا ..

وإن اختلفت في المبدأ العقائدي .. كنـّا نبدو كـمحـلـّلين سياسيين

صغيرين نناقش الكبيرة والصغيرة ونعلن أفكارنا في المدرسة

التي كانت تضـمّ فتيانا من خلفيات عائلية سياسية أغلبها قومي

ويساري كحال معظم أهل بيروت ..كنا أنا وعليّ نكمل بعضنا ..

وكلانا معجب بأفكار الاّخر وكأننا قائدين لـتـنظيمين متحالفين

لكن لكل منهما خصوصيته ...

علي كان مستشارنا العسكري فقد كان يعرف عيار القذيفة

ونوعها من صوتها حتى لو كان بعيدا .. هذا شيء كان طبيعي

بالنسبة للكبار في تلك الفترة .. لكن بالنسبة لنا كان غريبا فعليّ

لم يكن يخـطـئ في تحديد هويـّة أية قذيفة مـرّت من هنا أو وصل

صـوت الـموت الذي تـحـمـله الى مسـمـعـنا ...

كـنا نغلق باب غرفتي ونـبـدأ الحديث في كل شيء .. وعن كل شيء ..

أذكـر مرّة أنه اسـتـأذنـنـي بأنه يريد أن يـصـلـّي ... ارتبكت ولم أدر

ما أفـعـل .. فاستـمـهـلته لحظات وخرجت من الغرفة وأخبرت أبي أن

صديقي يريد أن يصـلـيّ .. وعلى الفور أحضر أبي سجـّادة

صـغـيـرة أعـطـاها لـعـلـي وسـألـه ان كان يريد الوضوء فليتصرف

وكـأنّ البيت بيته ..

جـلـسـت أراقب عـلـي من بـعـيـد ..

لا يـمـكن أن أنـسـى ذاك المنظر في حياتي ... صـبـيّ يسجـد بخـشـوع

ويـتـمـم بكلمات لا أسمعها .. وكـأنّ عـلـي أصـبـح في عالم اّخر ولم يعد

يشـعـر بوجودي أبـدا ...

عـلـيّ الـجـنـوبـي .. كما كـنـّا نسـمـيـّه ... لا يشبه أي صبي اّخر أعرفه ..

بل لا أعـتـقـد أن هـذا الـ عـلـيّ كـان صـبـيـّا في يوم من الأيام

حـتـى فـي اللعـب .. كان مختلفا .. أنيقا .. مسؤولا .. حكيما ..

كـان يـحـدّثـنـي عن قـصـص الـحسـيـن وأصحابه دائما .. عن معـنى الثورة

عـند الحسين .. ومعنى أن تكون ثائرا كالحسـيـن ..

كانت أحاديثه تلك لا تنتهي .. ومتعته بسردها لا تنتهي ..

وكنت أتخـيـّله وهو يتكلّم وكأنه أحد أبطالها الحقيقيين ..


ومن يومها وحتى هذه اللحظة لا يذكر الحسين على مسمعي أو أقرأ


عـنـه إلاّ و لاح لـي وجـه عـلـيّ واضحا تماما أمام عيني وكأني أراه الان ..

رحـل عـلـيّ عـن الـحي والمدرسة بعد ثلاث سنين الى منطقة أخرى في بيروت

عـلى أمل أن يـعـود الى الجنوب ويبلغ مبتغـاه ..

سـألتـه حين جـاء ليودّعـنـي :

لا زلـت تـطـلـب الشهادة يا عـلـي ؟؟


ابتسم عليّ ابتسامة قائد لا يهزم وقال :


ادعو لـي أن أنالها .. بـيــتـي مـحتـلّ وأرضي التي زرعها أبي


ودافع عنها حتى اّخر نقطة دم .. لا زالت محتـلـّة .. لا كنت عـلـيـّا


ان لـم أعـد لأدافـع عـنـها .. وسأعود قريبا ..


بـحـت لـعـلي يومها .. أنه أقرب وأجمل صديق عرفته في حياتي


أخبرته كم أعتـزّ بـه وكم أنا سعيد لأنه صديقي ..وكم أتـمـنـّى لقياه قريبا


ودائما ..

أخذني علي بين ذراعيه وغمرني بقوّة .. وقال :


لن أنساك يوما .. فأنت كل ما سأخرج به من بيروت حين أعود جنوبا

سأظـلّ أحبـّك دائما يا صديقي ..

رأيت عـلي بعدها ثلاث مرّات فقط في زيارات خاطفة عندما كان عـمـّه

يأتي الى الحي عندنا .. ثم انقطعت أخبار علي نهائيا ..

كنت دائما حين أقابل أي جنوبي من تلك المنطقة أسأله عن علي ..

ولم أكن أحظى بأي جواب مفيد ..

قبل خمس سنوات فقط .. وبعيدا عن بيروت ولبنان .. صادفت جنوبيا

من منطقته وسألته عنه .. قال لي أن عـلـيّ هذا مقاوم عنيد ورجل لا يشبهه

الرجال ... أخبرني أشياء كثيرة لا يمكن أن تنطبق إلاّ على صديقي عليّ ..

ــ في الحرب الأخيرة .. لم يـغـب عليّ عن بالي لحظة رغم كل تلك السنين

ولا أدري لماذا كلما أردت النوم يوم معركة بنت جـبـيـل الشهيرة كنت أرى

عليّ في منامي بعد أن أغفو بلحظات .. أرى خـدّيه وقد تورّدا أكثر .. ينظر إليّ

ويبتسم ابتسامته الجميلة تلك ... فأصـحـو من نومي و بي شوق غريب

لاحتضانه ... يومها رأيته أكثر من ثلاث مرّات في منامي ...

أكـاد أسـمـع صـوتـه الـهـادر يـصـل إلـيّ هـنـا ...

ويـصـل هـنـاك الـى مـا بـعد .. بـعـد حـيـفـا . . .


هل سـمـوت يـومها يا عـلـي ؟؟؟


وهـل بـلـّغت سلامـي للـحـسـيـن ؟؟؟


ألـم تـعـدنـي بذلك يا صديقي ؟؟


ــ ان كنت بلغت مرادك يا عليّ .. فأنا سعيد لأجلك يا صديقي .. بنفس الحزن


الذي يتملّكني حين أفـكـّر أني لن أراك يوما ..


وإن كنت لا زلت تنتظـر .. فأرجو أن أراك قريبـا فأنا مشـتـاق لك كثيرا يا صديقي ..


ــ لا زلت كـما أنا يا عـلـي .. نفـس الوجه الذي كنت تحبـّه .. لم تغـيـّر فيه


السنين كثيرا .. و نفس القلب الذي كنت تعتمد عليه في الشدائد ..


ولا زلت مثلك يا عـلـي


أؤمـن أن أرضـنـا ... بـتـتـكلـّم عـربـي


وبـتـقـول .... اللــّـــــه ..


إنّ الـفـجــــر


لــمـــن صـــلاّه ....


.....................................



ـــ اللـّي نطرته رجع

طـلــع الصـبــح صــبـحـيـن ...

شــمــّيـت ريــحــة عــلــي ...

قـالـوا مـرق الـحـسـيـن ...

جـيـبـوا بـيـارق كربلا

وسـمـاع مـلـّـلا آاّاّه


فـردوا الـبـيارق بالـهـوا


قــال الـهــوا

الـلــّـــــه .....


Joe Ghanem
Admin_Mhamad
Admin_Mhamad
المدير

عدد الرسائل : 353
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 01/08/2007

https://lobnan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

( لا فـتـى إلاّ عـلـيّ ) Empty رد: ( لا فـتـى إلاّ عـلـيّ )

مُساهمة من طرف لبيك_نصرالله الإثنين أغسطس 27, 2007 4:54 am

قصة معبرة فعلا

لا فتي الا علي
لبيك_نصرالله
لبيك_نصرالله
لبناني قادم بقوة

عدد الرسائل : 78
العمر : 44
تاريخ التسجيل : 03/08/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى